الفضاء الافتراضي Options



يرى يورغن هابرماس أن الفعل التواصلي يتميز عن غيره من الأفعال الأخرى بأنه لا يسعى للبحث عن الوسائل التي تمكنه من التأثير في الغير، بل يبحث عن كيفية التوصل إلى تفاهم معه لذلك حاول في كل أعماله البحث عن السبل التي تمكن من تحقيق الاندماج الاجتماعي بدل الصراع والتطاحن، والحل هو بناء فضاء عمومي يطرح للنقاش كل القضايا التي تساعد على تحقيق التفاهمات والإجماع بدل الصراع والعنف.

لقاء فكريّ في موضوع كيف نقاوم التّطرّف والتّعصّب والإرهاب الجلسة

وأصبح الفضاء العمومي الاتصالي المميز للمجتمع الجماهيري فضاء منتجا ومروجا لثقافة مدمرة للقيم والمنفعة العامة لتواجده بين أيدي من يسعون لتحقيق المنفعة الخاصة، هؤلاء احتكروا وسيطروا على «الفضاء العمومي الاتصالي» بتقديم محتويات إعلامية تجارية بالدرجة الأولى، وهي بمثابة امتدادا للأبحاث التي كانت تنصب على فضح هيمنة البرجوازية على الإعلام ومحتوياته.

أشكال جديدة من الفعل الاجتماعي :أفزت مواقع التدوين ومواقع التواصل الاجتماعي والنشر الذاتي في السياق العالمي والعربي فضاءات بديلة تشاركية وتفاعلية تحتضن جماعات افتراضية تكونت حول مشاغل مشتركة اجتماعية وسياسية بشكل أساسي، واحتضنت هذه الفضاءات أشكالا من المداولة والنقاش ذات علاقة وطيدة بالشأن العام، وسمحت للنخب السياسية المهمشة بتجاوز آليات تغييبها من الفضاء العمومي التقليدي الذي تسيطر عليه الدولة، لكن هذه الفضاءات ليست بالضرورة فضاءات للتنوع الفكري والسياسي التي يتناقش فيها المشاركون للاتفاق على معايير مشتركة، فقد يحكمها الانسجام الفكري أين يعبر المشاركون عن أفكارهم وآرائهم، وقد تتسم بالتنافر الفكري والعدائية، وعموما هذه الجماعات الافتراضية اكتسبت قدرة على الفعل في الفضاء الافتراضي من خلال إنتاج مضامين سياسية وثقافية وتداولها بكل حرية بعيدا عن أشكال التضييق المعهودة من السلطة وأعوانها.

وهي الرؤية التي تنطبق بتفاصيلها على واقع الفضاء العمومي العربي الذي خضعت وسائله منذ البداية للتوجيه لخدمة القوى النافذة في السلطة والحكم، الأخيرة التي كيفت أدوارها مرة أخرى وبنفس الأساليب المعهودة من رقابة ومتابعة على نشاط الإعلام الجديد الذي برزت فيه معالم فعلية للفضاء العمومي الحقيقي المبني على حرية النقاش والتداول الحر لقضايا الشأن العام، بحيث يتعرض هو الآخر لشتى أنواع التضييق والمحاصرة سواء باعتماد الوسائل التقنية أو السياسية والتشريعية قصد الحد من نشاطه، ودائما تحت طائلة أهداف التنمية والحفاظ على المصالح الإستراتيجية خاصة الأمنية منها.

شعور الفرد بالانتماء إلى الأغلبية، يجعله أكثر ميلًا لإبداء وجهات نظره، والمشاركة بآرائه.

وهكذا يكون الاستبداد مجاورا حتى للأنظمة الديمقراطية التي تقول عن نفسها إنها حرة وعادلة، ولا يفصل بينهما سوى شعرة تتحدد بنوعية الفضاء العمومي؛ ذلك أن خلق فضاء واقعي أو افتراضي موسوم بصفة التدخل والاحتكار الأيديولوجي من شأنه أن يؤسس لمواطنة مهزوزة، تماشيا مع حالة فقدان الثقة التي تنشأ عن تصدع العلاقة بين الوطن والمواطن في هذه الحالة حتى لو تعلق الأمر بالأنظمة الديمقراطية؛ أي إن التحول الذي طال الفضاء العام في الحالة التي يفقد فيها جاذبيته ونزاهته هو أمر يقتضي إعادة النظر في أسئلة المواطنة والديمقراطية والحق والقانون، وهو الذي يفسر التوجه صوب الإصرار على مطالب جديدة للملمة صدوع وتشققات هذه المقولات ضمن متن تايلور أو غيره أيضا، من خلال الرهان على الاعتراف والحق في الاختلاف لتجاوز مأزق خسارة الفضاء العمومي لجاذبيته ومصداقيته، أو بالأحرى لمواطنته المنفتحة على التجاوب والتواصل والتثاقف، حتى لا تتحول الديمقراطية نفسها إلى استبداد.

والخلاصة أن المساواة الكلية والمطلقة هي في النهاية الغاية التي تختبئ وراءها كل التفاصيل المتعلقة بمجموع هذه المطالب.

ويعتقد كوليمان وبلوملر أن عدم نجاح الفضاءات العمومية الافتراضية يرجع للقصور في النموذج الهابرماسي الذي يتعارض مع الثقافة السياسية والاجتماعية المعاصرة في العديد من المجتمعات ولا يعود إلى التقنيات في حد ذاتها.

تعد هذه الدراسة ميدانا للبحث في الخلفية الفكرية والتنظيرية للفضاء العمومي وفق الطرح الهابرماسي، وعلاقته بالممارسة الديمقراطية والبناء السياسي للمجتمع خاصة في ظل الديمقراطية الالكترونية الحديثة، وذلك بالبحث في تطورات الفضاء العمومي وفق مراحل التحولات الاجتماعية من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الجماهيري الصناعي فالمجتمع الشبكي الرقمي أي بدراسة تطور الفضاء العمومي من الطرح البورجوازي إلى المجال الافتراضي مرورا بالاتصال الجماهيري، كما وتهدف الدراسة أيضا لبحث تجليات الفضاء العمومي ومكوناته في العالم العربي وواقع النشاط الإعلامي والديمقراطية في أوساطه، ومن ثمة الوقوف على أوجه التشابه والاختلاف بين تشكل الفضاء العمومي في المجتمعات الغربية والعربية ومعرفة خصوصية كل واحد منهما.

هناك اجماع بين الباحثين مثل باربر وبيتمان وفيربا وشلازمان وبرادي حول أن المشاركة المدنية والسياسية هي أحد الأركان الأساسية لعمل الديمقراطية بشكل جيد، وفي نفس الوقت تؤكد العديد من الدراسات على أن المشاركة المدنية والسياسية بشكلها التقليدي (البرلماني) آخذت بالانخفاض في المجتمعات الديمقراطية، بينما يؤكد آخرون على تغير طبيعة المشاركة المدنية والسياسية في حد ذاتها وبرزت أشكالا جديدة من المشاركة مثل تسييس الحياة المعيشة، الاستهلاك السياسي، والنضال عبر الإنترنت وغيرها من الأشكال الأخرى.

تسعى هذه الورقة البحثية للوقوف نور الامارات على مفهوم الفضاء العمومي الذي يعرف اهتماما خاصا في أبحاث المفكر الألماني يورغن هابرماس إذ يعتبره أساس اكتمال مشروع المجتمع الحديث، ويعول هابرماس وأنصاره لتجاوز الاختلال في المجتمعات والأنظمة السياسية على المجال العمومي الديمقراطي القادر على خلق نقاش عام بين أفراد المجتمع، ومن ثمة صناعة رأي عام يخدم المصلحة العامة، كما وتهدف أيضا لدراسة علاقة هذا الفضاء بالإعلام ووسائله المختلفة وتشخيص واقعه في العالم العربي من خلال الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية بشكل خاص.

وتعبيرا عن جوهر هذه النقلة برزت مشروعات للساحة الفكرية والثقافية برهان تسليط الضوء على مسارات هذا الانقلاب، كما هو شأن مشروع تايلور ضمن مؤلفه "المتخيلات الاجتماعية الحديثة" المعاد تضمينه في مؤلف "عصر علماني" أو غيره من المشروعات الشبيهة، بما يثيره هذا المطلب من أهمية إعادة طرح إشكالات نراها وِجهَةً لهذه المشاركة من قبيل: كيفية تحديد ترابطات الفضاء العام في شكليه الموضعي وفوق الموضعي مع مفهوم المواطنة في الفكر المعاصر المعني بتدبير قلق الوجود والمعنى والانتماء، بما يقتضيه الأمر من استجابة للإشكالات التالية: كيف أدى التقدم التقني الامارات إلى بناء فضاء عمومي افتراضي عابر للهويات المجالية والمحلية والوطنية والقومية؟ وهل تكفي أطروحات نقد التقدم التقني لاسترجاع المعنى المتداول للمواطنة أم نحن ملزمون بإعادة ترتيب القول بما يقتضيه الأمر من تسليم بمشروعية هذا الفضاء الجديد المشكل باسم سلطة أمر الواقع؟ وهل يكون هذا الإقرار مدخلا للدعوة إلى نوع جديد من القول في الفكر السياسي المعاصر بما يستلزمه الأمر من إجبارية إعادة النظر في كل سندات الفكر السياسي المعاصر ومعه أسئلة الإنسان وتعالقاته الوجودية والفكرية؟

النّدوة العلميّة الدّوليّة " الأنوار الغربية ومصادرها الخارجية"

فضاء عمومي اتصالي ذو قيمة تأثيرية قوية على انطباعات وتصرفات وكذا علاقات الأفراد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *